ولم يكن معاوية إلاّ متربصاً لأحوال الخليفة الجديد يقرأ من بعيد حنكة الإمام، وصلابة القائد، وعزمة الخليفة... إذن لم يعدُ الحسن(عليه السلام) عن والده في كل شيء، شديد المراس قوي العزيمة، هكذا قرأه معاوية، وهكذا اُعيد عهد عليّ(عليه السلام) في عهد ولده الخليفة الجديد، الذي استهوى قلوب الناس، واسترهب عزائم أعدائه، وجلجل فرائص مقاتليه إنتظاراً للمنازلة، وإيذاناً بالكرّة في مقاتلة القاسطين.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ الأخبار تتدافع بسرعة إلى أسماع معاوية بأنّ حسناً(عليه السلام) لم يعدُ والده في عزيمة الاصرار على المنازلة، ومعاقبة كل من يريد أن يمس بأمن دولته، أو حدود مملكته، مهما كان وأينما يكون، لذا فالإمام أخرج جواسيس معاوية في الكوفة والبصرة، أحدهما من حمير بعثه معاوية إلى الكوفة، وجاسوس من القين مهمّته البصرة، فأخرج الحميري من حجام كوفي ـ وفي رواية من محام ـ والقيني انتزعه من بني سليم يأووه عيناً على الحسن بن عليّ(عليهما السلام) وتحركاته.
هكذا كان الحسن(عليه السلام) شديداً في مراقبتـه الأحـوال، بـل عمـل على جهاز أمني دقيق يترقّب دقائق الاُمور، ممّا يكشف عن حُسن تنظيم الحسن(عليه السلام)، وبناء دولته، ولم يكن الحسن متساهلاً في هذا الأمر، بل أمر بضرب أعناقهما إرهاباً لمعاوية وأتباعه، ولئلاّ يتجرّأ أمثال هؤلاء المرتزقة على التجسس في الدولة القوية الضاربة بيد من حديد على كل من أراد زعزعة استقرارها، والسوء بأمنها.
ولم يكتف الحسن بن عليّ(عليهما السلام) في تنكيل المتجسسين، بل أشفع بطشه بهذا الكتاب محذّراً فيه معاوية من مغبّة غباء حساباته، وسوء سريرته، واصراره على غيّه، فوصل الكتاب إلى معاوية ليقرأه بنصه:
أمّا بعد: فإنّك دسست الرجال للإحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء، وما أوشك ذلك، فتوقعه إن شاء الله.
وبلغني أنّك شمتّ بما لايشمت به ذووالحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
فقل للذي يبـغي خلاف الـذي مضى
تجـهّـز لاُخـرى مـثـلــها فـكأن قـد
فإنّـا ومـن قـد مـات مـنـّا لـ كالـــــذي
يروح فيمسي في المبيت ليغـتـدي(1)
كان كتابه مشحوناً بالتحذير، شديد اللهجة في معاقبة معاوية وكل من أراد السوء بأمن دولته، يعامل معاوية خارجاً عن قانون دولته، لذا فالإمام متشدد في إيقاف انتهاكاته السافرة وسيـضع حـدّاً لتهوراته غير المسؤولة، فالإمام يتوعّده باللقاء والعتاب الصارم، ومن ثمَّ يؤنّبهُ على شماتته بموت عليّ(عليه السلام)، مظهراً بذلك جهل معاوية وسوء تصرفاته الطائشة.
__________________
(1) الارشاد: 2/9 .
إثارة الشغب
- الزيارات: 2731