• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجيش الكوفي بقيادة الإمام (عليه السلام)

ويستجيب الناس لموقف حِجر ونداء الآخرين على تثاقل عظيم، وإخلاد إلى عدم الاستجابة لولا تحفيز خاصّة الإمام(عليه السلام) لهم بالنهوض والانصياع إلى الأمر الواقع الذي لم يكونوا مذعنين له، لو لا إحراج التأنيب الذي سمعوه من خطباء الكوفة المنتمين إلى ولاء الإمام وطاعته منذ عهد أبيه، وهم السادة الذين توجّه بهم الأحداث حيث أرادوا، فلهم السابقة في الجهاد والأولوية في الفضل، والشأن في مجابهة الأهوال بما تستقيم معه الاُمور إلى حيث الحقّ في متابعة الإمام، فتُدار من خلالهم أزمات الحرب كما تستقيم بهم سبل السلام، وهم الذين أشار إليهم الإمام الحسن(عليه السلام) في كلامه الموجّه بعد قليل إلى قائده عبيد الله بن عباس حيث يوصيه بهم بقوله(عليه السلام): فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه(1).
ويخرج الإمام بما لديه من الثقة في الانتصار «إذا حالفته» طاعة جيشه في مجابهة العدو، فإنّ القائد مهما بلغ شأواً في الثقة، وحُسن القيادة، والصبر على المكاره، وعلوّ الهمّة، وكمال الثبات، فإنه لا يرتقي إلى مرتبة النصر وبلوغ الظفر ما لم يبلغ قومه كمال الطاعة، وحسن التدبير في الامتثال، دون أن تخطر على بال أحدهم تخطئة القائد، أو الاقتراح بما لا ينسجم مع مصلحة الموقف ومسايرة الأحداث. وما تنفع الكثرة مع قلّة التدبير، وانعدام الثقة في وجهةِ هؤلاء الذين تكاثروا على الخروج انتصاراً لعصبية الكوفة على عصبية الشام؟! ووفاءً للنخوة القبلية على حساب قضية أحبوا معها العافية على القتال، يوم كانت تثبّطهم عزمةَ الأهواء في الركون إلى الدعة، ومشارف صفين تختنق بالجيش الشامي الذي عبّأه ابن أبي سفيان بنداء العصبية، والكوفة تصمّ أسماعها عن بلاغات عليّ(عليه السلام) حين يصف لهم ما أعدّ الله للمجاهدين من الثواب...
هذه هي مفارقات المواجهة الكوفية ـ الشامية منذ قيامها، فهل ستستقيم الجموع الكوفية في مسيرتها للأحداث وطاعتها للإمام، كما هي اليوم تستقيم في مسيرتها إلى وجهةِ الالتحاق بمعسكر النُخيلة؟
قال أبو الفرج الإصفهاني: وخرج الناس فعسكروا، ونشطوا للخروج، وخرج الحسن إلى معسكره، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه، فجعل يستحثّهم ويخرجهم حتّى التأم العسكر.
ثم إنّ الحسن بن عليّ سار في عسكر عظيم وعدّة حسنة حتّى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثاً حتّى اجتمع الناس، ثم دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال له: يابن عمّ، إنّي باعث معك إثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء المصر، الرجل منهم يزن الكتيبة فسر بهم، وألن لهم جانبك، وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وادنهم من مجلسك، فإنّهم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه(2)، وسر بهم على شط الفرات حتّى تقطع بهم الفرات، ثم تصير إلى مسكن، ثم امضِ حتّى تستقبل معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتّى آتيك فإنّي إثرك وشيكاً، وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين ـ يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس ـ فاذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتّى يقاتلك، فإن فعل فقاتل، فإن اُصبت فقيس ابن سعد على الناس، وإن اُصيب قيس، فسعيد بن قيس على الناس، ثم أمره بما أراد.
وسار عبيد الله حتّى انتهى إلى شينور حتّى خرج إلى شاهي، ثم لزم الفرات والفالوجة حتّى أتى مسكن(3) .
ولا ينبغي لابن عباس أن يبتدأ القوم بالقتال كما أمره الإمام(عليه السلام)، فهو الآن نازل بإزاء معاوية ليرى ما تحمله الساعات القادمة من توالي الأحداث بعدما ترامت إليه محاولات معاوية من الدسائس والمكائد التي جعلها شعاره ودثاره... وهو سلاحه به يصول، وبطشه فيه يحاول... فإن خدائعه في جيش الإمام(عليه السلام) أنفذ من قبل...
فالآن هو أمام جيش مثقل مُمَزَّق ... مثقل بتبعات الماضي الذي خلّفه أمر التحكيم ليؤسّس فكرة الخوارج بكل ضجيجها وعجيجها دون تفقّه في دين أو حكمةٍ في رأي...  ومحكوم بما للقبائلية شأن من الانصياع إلى نخوة العصبية، لا بما يقرّره لها تكليفها من نصرة الإمام(عليه السلام)، بل بما تختبئ مكامن الأهواء في مطاوي تلك النفوس الجامحة إلى تحقيق مصالحها ومطامعها... هذه هي عناصر الكثرة الكاثرة من جيش الإمام(عليه السلام).... وحريٌّ أن تنساب هذه المواصفات  الكوفية إلى قيادة الجيش.... فإنّ القائد يعيش في أجواء الهلع والغوغاء مع ألوف مؤلّفة لا تعي إلاّ منطق المساومات والابتزاز، ولعلّ عبيد الله بن عباس سيقف موقفاً من معاوية هو حصيلة هذه الأجواء الملوّثة بوباء فساد العقيدة وضعف البصيرة، عدا ما تهتدي إليها مطامعها من العطاء والزلفى إلى السلطان....
وستساهم غوغاء الجيش في زرع بذرة الانهزام لدى قائد الجيش، وتترعرع في خضمّ هذا الهلع من كراهية الخروج والتثاقل في المسير.... والتزلزل لأدنى دعايات العدو حين تحملها رياح الفتنة وتلقيها في أوساط الجيش فيتناقلها الغوغاء حتّى تصك أسماع القائد وجيشه المحطّم بارتجاجات الشغب التي أخذتها أراجيف معاوية ومكائده..
ويثبت عبيد الله بن العباس في جولة الاختبار التي بدأها معاوية ابن أبي سفيان، ليستشف بذلك ثبات الجيش الكوفي، وليختبر عزيمة قائدهم الذي هزمهم في ذلك اللقاء.... ولم يجد معاوية بدّاً من أن يختبره ثانية بالمكيدة والرشوة، أو الحيلة والخديعة من شراء الذمم والتمني لمستقبل مجهول يسير حثيثاً ليلتف على كل من لم يستجب لدعوة معاوية في الانعزال عن الحرب، أو اللحوق به ليمنّيه بالعطاء، ويرفعه إلى مقام الخلة ويعدَهُ بالظفر بالملك والسلطان، فإنّ الأمر لا يعدو عن بضع أمتار يقطعها ابن عباس ليفي له معاوية بألف ألف درهم لئلا يشهد مشهده.
ويتحوّل عبيد الله بن عباس منتصف الليل إلى معسكر معاوية ابن أبي سفيان، كما تحوّل التاريخ إلى محـاولات قرصنـة، وتشويـه حقائق، ودسائس تختصر معها مسافات الزمن الممتد منذ فجر الرسالة إلى ما شاء الله من أحابيل المكر وأباطيل المكائد، ويُزوى الحقّ وأهله ليُحال إلى حالات إلغاء أو مظاهر مهمّشة على أحسن الأحوال، وستقرأ تاريخاً مهزوماً نشاهد فيه وبال تلك الدسائس وجناياتها على الحقّ وأهله.
قال ابن أبي الحديد: وأقبل عبيد الله بن عباس حتّى نزل بإزائه ـ أي معاوية ـ فلما كان من غد وجّه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله بن عباس فيمن معه فضربهم حتّى ردّهم إلى معسكرهم، فلمّا كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن عباس أنّ الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلّم الأمر إليّ(4)، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً، وإلاّ دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أن اُعطيك ألف ألف درهـم، اُعجّـل لك في هـذا الوقـت نصفـها، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسلّ عبيد الله إليه ليلاً، فدخل عسكر معاوية، فوفّى له بما وعده، وأصبح الناس ينتظرون عبيد الله أن يخرج فيصلي بهم، فلم يخرج حتّى أصبحوا، فطلبوه فلم يجدوه، فصلّى بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فثبتهم، وذكر عبيد الله فنال منه(5)، ثمّ أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو، فأجابوه بالطاعة وقالوا له: انهض بنا إلى عدونا على اسم الله، فنزل فنهض بهم.
وخرج إليه بسر بن أرطاة فصاح إلى أهل العراق: ويحكم! هذا أميركم عندنا قد بايع، وإمامكم الحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم!
فقال لهم قيس بن سعد: اختاروا احدى اثنتين، إمّا القتال مع غير إمام، وإمّا أن تبايعوا بيعـة ضلال(6)، فقالـوا: بـل نقاتـل بلا إمـام، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتّى ردّوهم إلى مصافهم(7)، على أنّ اليعقوبي يخبرنا أنّ عبيد الله بن عباس لم يكن منهزماً وحده، بل انخرط معه ثمانية آلاف من جيشه إلى معاوية: أرسل إلى عبيد الله ابن عباس وجعل لـه ألف ألف درهم، فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس على محاربته(8).
________________________
(1) مقاتل الطالبيين: 71.
(2) لايعني أن الاثنى عشر ألف كوفي هم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، بل إنّ من بين هؤلاء هم بقية ثقاته، ألا ترى قوله×: «وادنهم من مجلسك». فإنّ تقريبهم إليه وتعاهدهم لا يتناسب وعدد الإثني عشر ألف، وقوله×: «البقية من ثقة أمير المؤمنين×» لا يتناسب أيضاً مع هذا العدد الهائل، ممّا يعني أنّ الإمام أوصاه بما هم أهل للوصية من خاصته وثقاة أبيه.
أما هذه الكثرة فلا ينظر إليها الإمام× من منظار القائد الواثق بجيشه إلاّ غالبية سواد لا يعني من أمره لا مبدأه أو منتهاه.
(3) مقاتل الطالبيين: 71.
(4) هذه من مكائد معاوية، إذ كيف يقاتلهم والحسن× قد راسله في الصلح ، بل كان الأجدر به ـ لو صحت دعوى المراسلة بالصلح ـ أن يختصر الأمر فيرسل إلى عبيد الله بن عباس بأمر الصلح أفضل من مقاتلته، إلاّ أنّه لما رأى مدافعة ابن عباس وعدم ثبات جيش معاوية احتال بهذه المكيدة ومارس هذه الدسيسة.
(5) سوف نستعرض خطبة قيس لاحقاً، لنقرأ في هذه الخطبة حيثيات دواعي عبيد الله بن العباس للاستجابة سريعاً لخدعة معاوية.
(6) أي على فرض صحة دعوى معاوية أنّ الإمام قد صالح، فلنقاتل من غير إمام، ليقيننا بصحة ما نحن عليه من الحق، ولو قنعوا بدعوى معاوية «أنّ الإمام قد صالح» لما كان معنى لدعوة قيس بن سعد بالقتال واستجابتهم له.
وكذا كان على معاوية أن يشترط على الإمام الحسن
(عليه السلام) أن يوعز إلى جيشه بالانسحاب لاتفاقهم على الصلح وتسليم الأمر إليه، بل من شروط الصلح وقف القتال وانسحاب جيش الإمام (عليه السلام). ممّا يعني أنّ دعوى الصلح مكيدة لم تنطلِ على قيس وأصحاب قيس.
(7) شرح نهج البلاغة: 16/ 231.
(8) تاريخ اليعقوبي: 2/ 214.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page